الماركسية والقراءة الجدلية
حبايبنا :: histoir :: article :: مقالات فكرية وادبية وفلسفية
صفحة 1 من اصل 1
الماركسية والقراءة الجدلية
[b][b][b][b][b][b]القراءة الجدلية هي مجموع عمليات القراءة والبحث والتنقيب التي أجراها ماركس، حول النصوص الفكرية والافكار الفلسفية المعاصرة له أو السابقة عليه، وهي بالتالي التجربة التأويلية ذات الطابع النقدي التي ميزت فكر ماركس وجعلته يتوصل الى كشوفاته المتقدمة واصابته العلمية في حقول الفكر والسياسة والفلسفة والاقتصاد والتاريخ والأدب.
وإذا كان "لوي آلتوسير" يشيد بالجهود الفكرية العالية لماركس في كتابه الكبير "رأس المال" مشيرا الى ان ماركس لم يكن يتمتع بقراءة بريئة لنصوص معاصريه وأفكارهم، منطلقا، من مفهومه الخاص حول ماركس البراجماتي الذي كان يقرأ افكار الآخرين لا من خلالهم أو من أجلهم، بل من أجل صالحه الخاص، فان "جاك دريدا" في كتابه "أطياف ماركس" يحاول، جاهدا، ان يقدم ماركس كونه "تفكيكيا" كان يجزأ البنيات الفكرية وينحرف بها، لصالح المفهوم الجدلي الخاص للتاريخ والطبيعة.
وهذا المفهوم لماركس "القارئ" سواء عند "آلتوسير" أو "جاك دريدا" أو "شراوس" او طروحات مفكري ما بعد الحداثة، او بعض الذين يسقطون على ماركس منافع معرفية أو غايات معينة، لم يكن ماركس كما يبدو يعنى بها او يهدف اليها، انما لا تنكر على ماركس أهميته الاستثنائية في القراءة النقدية والاستقراء العلمي لافكار معاصريه او مراجعاته التاريخية لمن سبقوه. لقد كان ماركس، معنيا، بالقراءة الجدلية وذلك ما نقع عليه في مجمل نصوصه الكتابية، فنادرا ما نجد لديه نصا واحدا لم يكن قائما على "رد" نقدي أو "سجال" فكري أو "تعديل" و"تصويب" على "آخر" وقد يبدو للبعض ان هذه الطريقة في الكتابة التي تعتمد القراءة على آخر لها، انما هو مأخذ على ماركس واتهامه بالعجز عن التأليف الحر او التوليد الخلاق، الا ان واقع الحال يقول غير ذلك؛ فأن عملية القراءة الجدلية، تتطلب جهدا عاليا في البحث والتنقيب، وقدرات لا يستهان بها في دحض الطروحات المغايرة او اعادة بنائها واستحلابها بما يناسب الفكر العلمي الجديد.
كان ماركس قارئا نهما وهو قارئ - مغاير استطاع ان يستخلص مفهومه المادي من مصادر عديدة، من مدارس فكرية وفلسفية مختلفة، فان قراءة ماركس لـ"هيجل" انما تقدم لنا نموذجا مناسبا للقراءة الفلسفية المتأنية، كان ماركس حريصا على فهم ومطابقة الفكر الهيغلي كما هو، ثم يفرد له صفحات طويلة لغرض تدوينه جيدا واعادة فحصه والتطوير عليه، كانت مخطوطات عام (1844) تعد مختبرا لا بديل عنه لعرض نموذجي للقراءة الفلسفية الصعبة، ان المخطوطات الفلسفية - الاقتصادية، تقدم المراحل الاساسية للقراءة الجدلية، وذلك باعتمادها على مايلي:
1- العرض الموضوعي.
2- دقة المرجعيات.
3- التعليق بحدود النص.
4- التأويل من خلال التفسير.
5- اظهار الضد من خلال الطروحة الفلسفية.
6- الاستنتاج المفتوح القابل للزيادة.
7- الاتباع من خلال الاغناء بالتاريخ.
ان هذه المراحل التي تقع عليها، متفاوتة احيانا، مجتمعة أحيانا أخرى ميزت عمل ماركس وانجلز في "الايدولوجية الالمانية" وكذلك في كتابهم المبكر "نقد العائلة المقدسة" ومخطوطات في علم الاقتصاد السياسي وكذلك في عمل ماركس المهم "بؤس الفلسفة" في الرد على برودون إذ تظهر لنا، جليا، الطريقة "المقطعية" اي القائمة على العرض الموضوعي للكتاب "مقطعا" فمقطع.. ثم الدقة في المراجعة للمقطع نفسه أكثر ثم التعليق عليه "بحدوده" ثم تأويله اكثر واظهار الضدية - الجدلية المناسبة له، وهذه الطريقة، تكاد، ان تكون هي المنصوص عليها في جميع المؤلفات الاخرى، باستثناء صفحات كثيرة من "رأس المال" التي كانت تفرد للقياسات المنطقية او القواعد العلمية او البيانات الاقتصادية ومعادلاتها الرياضية الاساسية.
ان الماركسية، مخلّصة لمصادرها، ولم يكن ماركس عاجزا، لو رغب، على اخفاء هذه المصادر الاساسية او في القليل، عدم التطرق اليها كثيرا، فهناك قراءته الخاصة واستفادته من مادية القرن الثامن عشر واطلاعه على الفلسفة الكلاسيكية الألمانية، واستعانته بمادية فيورباخ وديالكيتيك هيغل وعدم إغفاله للكشوفات الفيزيائية. ونظرية داروين في التطور والارتقاء، وكذلك استفادته وصديق عمره انجلز من طروحات السيد مورغان عن اصل العائلة والملكية الخاصة والدولة وعدم أغفالهما للاقتصاد السياسي الانكليزي ولا جحودهم للاشتراكية الفرنسية الموسومة بالاشتراكية الطوباوية، ولم يكن انجلز يهمل السيد دوهرنغ في اشتراكيته الملفقة، اضافة الى ذلك فأن ماركس لم يكن يهمل الرسائل وتبادل الآراء مع كبار المفكرين والفلاسفة في عصره. كل هذا الجهد الجبار انما هو عملية جدلية كبيرة استطاعت ان تقدم خلاصة موضوعية لاكبر مفهوم فلسفي عرفه العالم، وهو الماركسية في ماضيها وحاضرها ومستقبلها. ان الماركسية، اذاً في اساسها النظري، انما هي نظرية علمية تقوم على منهج القراءة الجدلية المستمرة، ولم تكن نظرية احادية الجانب أو ذات محاولات ضيقة، أو جهويات محددة. بل هي قراءة جدلية، استطاعت ان تقدم درسا نموذجيا متقدما من دروس القراءة والتلقي في الخطاب الفكري العالمي وهي قراءة صالحة للقراءة في كل زمان ومكان. [/b][/b][/b][/b][/b][/b]
وإذا كان "لوي آلتوسير" يشيد بالجهود الفكرية العالية لماركس في كتابه الكبير "رأس المال" مشيرا الى ان ماركس لم يكن يتمتع بقراءة بريئة لنصوص معاصريه وأفكارهم، منطلقا، من مفهومه الخاص حول ماركس البراجماتي الذي كان يقرأ افكار الآخرين لا من خلالهم أو من أجلهم، بل من أجل صالحه الخاص، فان "جاك دريدا" في كتابه "أطياف ماركس" يحاول، جاهدا، ان يقدم ماركس كونه "تفكيكيا" كان يجزأ البنيات الفكرية وينحرف بها، لصالح المفهوم الجدلي الخاص للتاريخ والطبيعة.
وهذا المفهوم لماركس "القارئ" سواء عند "آلتوسير" أو "جاك دريدا" أو "شراوس" او طروحات مفكري ما بعد الحداثة، او بعض الذين يسقطون على ماركس منافع معرفية أو غايات معينة، لم يكن ماركس كما يبدو يعنى بها او يهدف اليها، انما لا تنكر على ماركس أهميته الاستثنائية في القراءة النقدية والاستقراء العلمي لافكار معاصريه او مراجعاته التاريخية لمن سبقوه. لقد كان ماركس، معنيا، بالقراءة الجدلية وذلك ما نقع عليه في مجمل نصوصه الكتابية، فنادرا ما نجد لديه نصا واحدا لم يكن قائما على "رد" نقدي أو "سجال" فكري أو "تعديل" و"تصويب" على "آخر" وقد يبدو للبعض ان هذه الطريقة في الكتابة التي تعتمد القراءة على آخر لها، انما هو مأخذ على ماركس واتهامه بالعجز عن التأليف الحر او التوليد الخلاق، الا ان واقع الحال يقول غير ذلك؛ فأن عملية القراءة الجدلية، تتطلب جهدا عاليا في البحث والتنقيب، وقدرات لا يستهان بها في دحض الطروحات المغايرة او اعادة بنائها واستحلابها بما يناسب الفكر العلمي الجديد.
كان ماركس قارئا نهما وهو قارئ - مغاير استطاع ان يستخلص مفهومه المادي من مصادر عديدة، من مدارس فكرية وفلسفية مختلفة، فان قراءة ماركس لـ"هيجل" انما تقدم لنا نموذجا مناسبا للقراءة الفلسفية المتأنية، كان ماركس حريصا على فهم ومطابقة الفكر الهيغلي كما هو، ثم يفرد له صفحات طويلة لغرض تدوينه جيدا واعادة فحصه والتطوير عليه، كانت مخطوطات عام (1844) تعد مختبرا لا بديل عنه لعرض نموذجي للقراءة الفلسفية الصعبة، ان المخطوطات الفلسفية - الاقتصادية، تقدم المراحل الاساسية للقراءة الجدلية، وذلك باعتمادها على مايلي:
1- العرض الموضوعي.
2- دقة المرجعيات.
3- التعليق بحدود النص.
4- التأويل من خلال التفسير.
5- اظهار الضد من خلال الطروحة الفلسفية.
6- الاستنتاج المفتوح القابل للزيادة.
7- الاتباع من خلال الاغناء بالتاريخ.
ان هذه المراحل التي تقع عليها، متفاوتة احيانا، مجتمعة أحيانا أخرى ميزت عمل ماركس وانجلز في "الايدولوجية الالمانية" وكذلك في كتابهم المبكر "نقد العائلة المقدسة" ومخطوطات في علم الاقتصاد السياسي وكذلك في عمل ماركس المهم "بؤس الفلسفة" في الرد على برودون إذ تظهر لنا، جليا، الطريقة "المقطعية" اي القائمة على العرض الموضوعي للكتاب "مقطعا" فمقطع.. ثم الدقة في المراجعة للمقطع نفسه أكثر ثم التعليق عليه "بحدوده" ثم تأويله اكثر واظهار الضدية - الجدلية المناسبة له، وهذه الطريقة، تكاد، ان تكون هي المنصوص عليها في جميع المؤلفات الاخرى، باستثناء صفحات كثيرة من "رأس المال" التي كانت تفرد للقياسات المنطقية او القواعد العلمية او البيانات الاقتصادية ومعادلاتها الرياضية الاساسية.
ان الماركسية، مخلّصة لمصادرها، ولم يكن ماركس عاجزا، لو رغب، على اخفاء هذه المصادر الاساسية او في القليل، عدم التطرق اليها كثيرا، فهناك قراءته الخاصة واستفادته من مادية القرن الثامن عشر واطلاعه على الفلسفة الكلاسيكية الألمانية، واستعانته بمادية فيورباخ وديالكيتيك هيغل وعدم إغفاله للكشوفات الفيزيائية. ونظرية داروين في التطور والارتقاء، وكذلك استفادته وصديق عمره انجلز من طروحات السيد مورغان عن اصل العائلة والملكية الخاصة والدولة وعدم أغفالهما للاقتصاد السياسي الانكليزي ولا جحودهم للاشتراكية الفرنسية الموسومة بالاشتراكية الطوباوية، ولم يكن انجلز يهمل السيد دوهرنغ في اشتراكيته الملفقة، اضافة الى ذلك فأن ماركس لم يكن يهمل الرسائل وتبادل الآراء مع كبار المفكرين والفلاسفة في عصره. كل هذا الجهد الجبار انما هو عملية جدلية كبيرة استطاعت ان تقدم خلاصة موضوعية لاكبر مفهوم فلسفي عرفه العالم، وهو الماركسية في ماضيها وحاضرها ومستقبلها. ان الماركسية، اذاً في اساسها النظري، انما هي نظرية علمية تقوم على منهج القراءة الجدلية المستمرة، ولم تكن نظرية احادية الجانب أو ذات محاولات ضيقة، أو جهويات محددة. بل هي قراءة جدلية، استطاعت ان تقدم درسا نموذجيا متقدما من دروس القراءة والتلقي في الخطاب الفكري العالمي وهي قراءة صالحة للقراءة في كل زمان ومكان. [/b][/b][/b][/b][/b][/b]
رد: الماركسية والقراءة الجدلية
المدرسة في مجتمعنا هي إحدى مؤسسات المجتمع المدني الأساسية التي تنتظم في نسق كلي للمجتمع وفق قواعد محددة، وتخصصت تاريخيا في مجال الممارسة التربوية الثقافية، وتلتقي بذلك في وظيفتها وتتكامل مع الأسرة في مجال التنشئة الاجتماعية الثقافية، وقد نشأت المدرسة في المجتمع البشري الذي عرف تقسيم العمل وتشكل الدولة لتكون رديفا للأسرة في الوقت الذي استحال فيه على الأسرة تلقين النشء مختلف المعارف الثقافية، وهي تؤدي دورها هذا المنوط بها تحت هيمنة الدولة، والطبقة السائدة. فهي إحدى أجهزة الدولة الإيديولوجية في مجال الفعل التربوي، يقول ماركس: إن الأفكار السائدة هي أفكار الطبقة السائدة وهي أيضا أفكار الهيمنة. والسمة السائدة والطاغية على مؤسساتنا التعليمية هي سمة السلطوية التي ورثها نظامنا التعليمي عن النظام التعليمي التقليدي وطمعها الاستعمار لخدمته تم حافظت البورجوازية على إستمراريتها بعد الاستقلال. وقد بقي النظام التعليمي ممزقا وتابعا للمركز الاستعماري على المستوى التنظيمي وعلى مستوى التسيير زد على ذلك محتوى البرامج والمناهج المدرسية. كما أن الطبقة المسيطرة تهيمن بشكل مفرط على مراقبة الانتقاء لتكريس طابع التراتبية. وهكذا فالمدرسة اليوم تلعب دورا أساسيا في إعادة إنتاج العلاقات الاجتماعية السائدة في المجتمع محققة هيمنة الدولة وسيادتها بواسطة الإقناع والتراضي حسب تعبير غرامشي أو بواسطة عنف وإكراه وقسر يختلف عن عنف الدولة المادي بكونه عنفا رمزيا حسب بيير بورديو.
ويعرف لينين المدرسة بكونها أداة هيمنة طبقية في يد البورجوازية، إن هاته الطبقة المهيمنة كما يرى بورديو وباسرون، لا ترى أو أنها لا تريد أن ترى العلاقة بين التفاوتات الاجتماعية والتفاوتات المدرسية، إنهم يفسرون- الطبقة السائدة- النجاح المدرسي بكونه تفاوتا بالملكات، وبرأيهم مشكل الملكات الفكرية يطرح فقط لدى الغير: المتفوقين والراسبين من أبناء الطبقات المقهورة. والنجاح المدرسي في رأي البورجوازية المسيطرة يرجع إلى ميزات شخصية خاصة منذ الولادة، والمدرسة لا تخلو من انعكاس التناقضات الدولة/ المجتمع على بيئتها وأدائها الوظيفي، فكل الصراعات القائمة بين القوى الاجتماعية بسبب مواقعها المتفاوتة في بنية الإنتاج المادي والثقافي للمجتمع، تخترق المجال المدرسي وتثوي في مضامين القرارات والمناهج وطرق التلقين، وهذا دليل قاطع على الارتباط الكبير بين المدرسة ومحيطها الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي... بالدولة وبالمجتمع المدني.
إن كل خلل وظيفي أو أنوميا بتعبيردوركايم يطرأ داخل المجتمع لأي سبب كان يؤثر سلبا ويخلق أزمة داخل المدرسة يكون لها تأثير على إعادة إنتاج الدولة لذاتها، وكذا إعادة إنتاج النظام الاجتماعي في مجمله. وعندما يخترق هذا الخلل الزوج السائد الأسرة/ المدرسة داخل النظام الدولتي يتعرض الوجود الاجتماعي كله لخطر التفكك والانهيار.
إن المدرسة اليوم في المجتمع لا تعيد إنتاج المجتمع المبني على تساوي الحظوظ، إنها لا تزال تتخبط في إرث الإيديولوجية القديم. إرث البورجوازية المسيطرة.
إن تأثير المدرسة من حيث: نمط الحياة، التربية الأسرية والحظ في التربية متفاوت فيما بينها جميعاً، فثقافة الطبقات المحظوظة تتساوق مع ثقافة المدرسة، وعاداتها تماثل العادات المكتسبة داخل المدرسة. فالمدرسة نظام خاص من أنظمة التفاعل الاجتماعي جعلها أكثر أهمية. وهي تتميز عن محيطها بالروح التي تسود داخلها وهي الشعور بالنحن، وبذلك فهي لا تعمل على صنع المستقبل دون اعتبار للحاضر. وإنما يجب أن ترتكز على حاضر التلميذ من جميع الجوانب، وفي تركيزها على الحاضر إنما تعد وبشكل جيد للمستقبل في الوقت ذاته كما يرى جون ديوي.
إلا أن ثقافة المدرسة كما يرى باسرون و بورديو، ليست على نحو مباشر هي الثقافة البورجوازية. لكنها متساوقة معها بكيفية مباشرة، خصوصا عبر السلوكات الذهنية، واللسانية والثقافة، وتم تصور أشغال المدرسة وخصوصا اشتغال العلاقة البيداغوجية كآلة لإنتاج التفاوتات الاجتماعية، إذ لا يمكن الحديث عن فرصة تساوي الحظوظ ليس لآن المواهب التي تتحدث عنها الطبقات المهيمنة موزعة بكيفية متفاوتة بل لأن المدرسة تشجع التدابير الخاصة بالطبقات المبجلة، إن جل ميكانيزمات المدرسة هي في الأصل أساليب لانتقاء أطفال الطبقة المحظوظة وإقصاء الآخرين. فمدرسة إعادة الإنتاج حسب بورديو لا تنتج أطفالا أحرارا، ولا سيما أن التفاوتات المدرسية منظوراً إليها كتفاوتات في الاستحقاق. تضفي الشرعية على التفاوتات الاجتماعية التي تصدر عنها وتعيد إنتاجها.
المدرسة أداة للخضوع والامتثال، وسواء باسرون و بورديو أو اسطابلي وبانديلو يربطون وظيفة المدرسة ببنية الطبقات الاجتماعية. أما اليتش حين ينتقد المدرسة يرى أنها تنتج التفاوتات الطبقية. فهي تلعب بذلك دور المحدد الأساسي في التقسيم الطبقي، ويضيف اليتش أن المدرسة مكان لم يلجه نصف البشر وتبقى بذلك المدرسة لا تهدف إلا لتطوير صناعات عقول مملوءة وهو نوع آخر من التبضيع الدراسي والثقافي. إن تنظيم وظيفة النظام التعليمي تترجم باستمرار وبواسطة شفرات متعددة التفاوتات الطبقية على المستوى الاجتماعي إلى تفاوتات على المستوى المدرسي.
الهدف من المدرسة والوظيفة الأساسية التي أنشئت من أجلها هي ضمان تربية وتعليم متساويين للجميع بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها التلميذ، وليس كمؤسسة اجتماعية لا تختار تلقين إلا الذين يستجيبون للمقاييس التي يحددها مسبقا ويصادق عليها الضابط الاجتماعي.
والمدرسة التي اعتبرت لزمن طويل على أنها ميكانيزم مصحح لعدم تكافؤ الفرص منذ نشأتها، تظهر الآن غير قادرة على لعب هذا الدور المنوط بها، وبتعبير التوسير: إن الأجهزة الإيديولوجية للدولة تعيد إنتاج تقارير الإنتاج السائد. والمدرسة أصبحت جهاز الدولة الإيديولوجي المهيمن مكان الكنيسة التي مارست هذا الدور إلى حدود القرن الثامن عشر.
وحول دورها في الحراك الاجتماعي يرى العربي أبا عقيل إن الجيل الثاني اعتقد كثيرا أن الطريقة الوحيدة للتدرج الطبقي وضمان ظروف حياتية أحسن هو الإنجاب الكثير. إلا أن هذا الخيال الذي هيمن على الطبقات الشعبية باء بالفشل، فقط 0,88 % تم التحاقهم بالطبقة المتوسطة، وأن نسبة الحراك الاجتماعي التي سادت السبعينات تفوق بكثير ما كانت عليه في بداية الثمانينات. وهذا دليل على أن المدرسة لم تلعب ذلك الدور الذي اعتقده الجيل الثاني كمصدر لتغيير المواقع الاجتماعية، هاته المواقع لا تحصل إلا بعد مستوى ثقافي وتكويني، ولكن لا يمكن الحديث عن حراك اجتماعي إلا حين يحصل فيها الفرد على موقعه الاجتماعي والذي يمكن مقارنته بوضع أبيه.
وفي إطار النظريات الوظيفية يتحدث سوروكين عن كون كل مجتمع يحوي مجموعة من الميكانيزمات للإنتاج وإعادة إنتاج البنى الاجتماعية للأفراد، ويرى أن الأسرة كأحد دعائم التوجيه ومن أجل استمراريتها في الزمن فهي المسئولة عن الحراك الاجتماعي للأفراد، لكون هذا الحراك المتعدد الاتجاهات يهدف إلى إضعاف الاستمرارية الأسرية، فالأسرة إذن تهدف إلى منح الطفل مستوى من الطموح الدراسي محدد بموقعه الخاص، وشدة مراقبة الأسرة مرتبطة بالنسق الاجتماعي، فهي قصوى في المجتمعات التقليدية، بينما بدأت تضعف في المجتمعات الحديثة لتوجه الأسرة نحو النظام النووي ويضيف بارسونز أن الأسرة تلعب دورا أساسيا في صيرورة جيل عدم تكافؤ الفرص، والأسرة تتضمن نسقا تضامنيا، والعائلة هكذا لا يمكن أن لا يكون لها تأثير هام على الطموحات المدرسية للأطفال، وهكذا فالميكانيزمات الشاملة لعدم تكافؤ الفرص أمام التعليم أقل ارتباطا بمستويات النسق الاجتماعي في كليته. وأكثر ارتباطا على مستوى محيط الفرد، ولهذا يلجأ معظم السوسيولوجيين إلى تحليل تأثير المحيط على المحفزات الفردية.
إن اللامساواة في الحظوظ الملاحظ من خلال النتائج الدراسية أو على المستوى المدرسي بصفة عامة، يرجع بالأساس إلى العادات، القيمة المعطاة للعلم، الرأسمال الثقافي، الحالة العائلية، الاستقرار الأسري... وهاته القيم تختلف من طبقة إلى أخرى حسب الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للأسرة وللمجتمع عموما.
وحسب المجتمعات، وأثناء نموها، فإن دور الأسرة والمدرسة أقل أو أكثر أهمية، وحسب سوروكين دائما فإن دور المدرسة يزداد حينما يقل دور الأسرة، وحين يتوقف دور كليهما وبطريقة فجائية عن أداء دورهما في توجيه الأفراد نحو بنى اجتماعية، تظهر حركات نقدية احتجاجية لتغيير هاته البنى. وهو ما ترجمته انتفاضة طلاب فرنسا في مايو 1968، حيث تم نقد المجتمع بطريقة عنيفة، وقد رأى المحتجون في باريس، أن التربية الحالية هي عبد الرأسمالية، وان الجامعة لا تقوم سوى بتوزيع معارف موجهة مسبقا لإعادة إنتاج المبجل البورجوازي ، نفس الشيء عبر عنه المحتجون في بكين ، بكون التربية لا تخلق إلا الفوارق الاجتماعية وتعمل على تكوين المتفوقين البورجوازيين فالتربية تبعا لذلك تسهر على توزيع الحظوظ ولا تعمل على تساويها.
ولكن حين نتحدث عن وظيفة إعادة الإنتاج الاجتماعي للتربية، ودورها في التقدم الثقافي، فهي تساهم في خلق نقد مضاد، فالتعليم ليس دائما وبصفة مطلقة إيديولوجية أو سلطة الطبقة السائدة، ولكن نجاعته تشتق من منطقه الخاص وحرية الأفراد. وردا على أولئك الذين لا يحملون إلا كلمة إيديولوجيا في أفواههم، فالمدرسة هي أيضا منبع العلم، وتلقين العلم يكون ويؤدي إلى ظهور النقد، الذي قد يكون ضد التعليم نفسه.
والهدف المنشود من التربية الحديثة هو ضمان فرص تربوية متساوية للجميع، من أجل تربية فعالة تتيح للناشئة ضمان اندماج لائق وعادي في المجتمع، إلا أن المدرسة كما يرى ذلك اليتش تاريخيا وبغض النظر عن مكانها لا يمكن أن تمثل العامل الأحسن والأوحد للتربية، والفكرة السائدة لدى الجميع بأن التربية تقوم في معظمها على أساس التعليم فكرة خاطئة، ويتساءل اليتش أليس هناك دور للحياة خارج المدرسة؟
إن التربية الحديثة اليوم تقوم على تكامل الفاعلين الاجتماعيين، بين الأسرة والمدرسة والمجتمع ولكي يصل المجتمع إلى نضجه، ويتجاوز طفولته ذاتها، يجب أن يصبح قابلا لأن يعيش فيه الصغار، والتربية الحديثة التي نريدها في مجتمع أكثر تطورا، هي تلك التي تتجاوز التربية التقليدية المبنية على التلقين، أي تقدم التربية على التعليم. من أجل أطفال مكونين تكوينا متكاملا ومتسقا، بحيث لا يغدو أكثر علما ومعرفة فقط بل أكثر نموا وتفتحا وقدرة على التفكير والإبداع وأكثر امتلاكا لوسائل التعليم أكثر من امتلاكه لمعلومات محددة. وهو ما عبر عنه جون جاك روسو حين أراد خلق الإنسان القابل للتعلم وليس الإنسان المتعلم. فالتربية الحديثة تهدف إلى تربية الشخصية لدى الطفل من كل نواحيها، وخصوصا الإنسانية. إن التعلم في فرنسا Instruire مشتقة من Struere اللاتينية وتعني التكوين والتكديس، وهو تكديس المعلومات في الفكر، في مفهومه الضيق، أما عمل التربية فأنفذ وأعمق ف Ducere اللاتينية تعني أن نخرج من الطفل جميع ضروب الغنى الكامنة فيه، ونظهرها بعد خفاء ونفتحها حتى مداها، ونساعد الطفل ليكون "من هو" على حد تعبير نيتشه.
ويعرف لينين المدرسة بكونها أداة هيمنة طبقية في يد البورجوازية، إن هاته الطبقة المهيمنة كما يرى بورديو وباسرون، لا ترى أو أنها لا تريد أن ترى العلاقة بين التفاوتات الاجتماعية والتفاوتات المدرسية، إنهم يفسرون- الطبقة السائدة- النجاح المدرسي بكونه تفاوتا بالملكات، وبرأيهم مشكل الملكات الفكرية يطرح فقط لدى الغير: المتفوقين والراسبين من أبناء الطبقات المقهورة. والنجاح المدرسي في رأي البورجوازية المسيطرة يرجع إلى ميزات شخصية خاصة منذ الولادة، والمدرسة لا تخلو من انعكاس التناقضات الدولة/ المجتمع على بيئتها وأدائها الوظيفي، فكل الصراعات القائمة بين القوى الاجتماعية بسبب مواقعها المتفاوتة في بنية الإنتاج المادي والثقافي للمجتمع، تخترق المجال المدرسي وتثوي في مضامين القرارات والمناهج وطرق التلقين، وهذا دليل قاطع على الارتباط الكبير بين المدرسة ومحيطها الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي... بالدولة وبالمجتمع المدني.
إن كل خلل وظيفي أو أنوميا بتعبيردوركايم يطرأ داخل المجتمع لأي سبب كان يؤثر سلبا ويخلق أزمة داخل المدرسة يكون لها تأثير على إعادة إنتاج الدولة لذاتها، وكذا إعادة إنتاج النظام الاجتماعي في مجمله. وعندما يخترق هذا الخلل الزوج السائد الأسرة/ المدرسة داخل النظام الدولتي يتعرض الوجود الاجتماعي كله لخطر التفكك والانهيار.
إن المدرسة اليوم في المجتمع لا تعيد إنتاج المجتمع المبني على تساوي الحظوظ، إنها لا تزال تتخبط في إرث الإيديولوجية القديم. إرث البورجوازية المسيطرة.
إن تأثير المدرسة من حيث: نمط الحياة، التربية الأسرية والحظ في التربية متفاوت فيما بينها جميعاً، فثقافة الطبقات المحظوظة تتساوق مع ثقافة المدرسة، وعاداتها تماثل العادات المكتسبة داخل المدرسة. فالمدرسة نظام خاص من أنظمة التفاعل الاجتماعي جعلها أكثر أهمية. وهي تتميز عن محيطها بالروح التي تسود داخلها وهي الشعور بالنحن، وبذلك فهي لا تعمل على صنع المستقبل دون اعتبار للحاضر. وإنما يجب أن ترتكز على حاضر التلميذ من جميع الجوانب، وفي تركيزها على الحاضر إنما تعد وبشكل جيد للمستقبل في الوقت ذاته كما يرى جون ديوي.
إلا أن ثقافة المدرسة كما يرى باسرون و بورديو، ليست على نحو مباشر هي الثقافة البورجوازية. لكنها متساوقة معها بكيفية مباشرة، خصوصا عبر السلوكات الذهنية، واللسانية والثقافة، وتم تصور أشغال المدرسة وخصوصا اشتغال العلاقة البيداغوجية كآلة لإنتاج التفاوتات الاجتماعية، إذ لا يمكن الحديث عن فرصة تساوي الحظوظ ليس لآن المواهب التي تتحدث عنها الطبقات المهيمنة موزعة بكيفية متفاوتة بل لأن المدرسة تشجع التدابير الخاصة بالطبقات المبجلة، إن جل ميكانيزمات المدرسة هي في الأصل أساليب لانتقاء أطفال الطبقة المحظوظة وإقصاء الآخرين. فمدرسة إعادة الإنتاج حسب بورديو لا تنتج أطفالا أحرارا، ولا سيما أن التفاوتات المدرسية منظوراً إليها كتفاوتات في الاستحقاق. تضفي الشرعية على التفاوتات الاجتماعية التي تصدر عنها وتعيد إنتاجها.
المدرسة أداة للخضوع والامتثال، وسواء باسرون و بورديو أو اسطابلي وبانديلو يربطون وظيفة المدرسة ببنية الطبقات الاجتماعية. أما اليتش حين ينتقد المدرسة يرى أنها تنتج التفاوتات الطبقية. فهي تلعب بذلك دور المحدد الأساسي في التقسيم الطبقي، ويضيف اليتش أن المدرسة مكان لم يلجه نصف البشر وتبقى بذلك المدرسة لا تهدف إلا لتطوير صناعات عقول مملوءة وهو نوع آخر من التبضيع الدراسي والثقافي. إن تنظيم وظيفة النظام التعليمي تترجم باستمرار وبواسطة شفرات متعددة التفاوتات الطبقية على المستوى الاجتماعي إلى تفاوتات على المستوى المدرسي.
الهدف من المدرسة والوظيفة الأساسية التي أنشئت من أجلها هي ضمان تربية وتعليم متساويين للجميع بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها التلميذ، وليس كمؤسسة اجتماعية لا تختار تلقين إلا الذين يستجيبون للمقاييس التي يحددها مسبقا ويصادق عليها الضابط الاجتماعي.
والمدرسة التي اعتبرت لزمن طويل على أنها ميكانيزم مصحح لعدم تكافؤ الفرص منذ نشأتها، تظهر الآن غير قادرة على لعب هذا الدور المنوط بها، وبتعبير التوسير: إن الأجهزة الإيديولوجية للدولة تعيد إنتاج تقارير الإنتاج السائد. والمدرسة أصبحت جهاز الدولة الإيديولوجي المهيمن مكان الكنيسة التي مارست هذا الدور إلى حدود القرن الثامن عشر.
وحول دورها في الحراك الاجتماعي يرى العربي أبا عقيل إن الجيل الثاني اعتقد كثيرا أن الطريقة الوحيدة للتدرج الطبقي وضمان ظروف حياتية أحسن هو الإنجاب الكثير. إلا أن هذا الخيال الذي هيمن على الطبقات الشعبية باء بالفشل، فقط 0,88 % تم التحاقهم بالطبقة المتوسطة، وأن نسبة الحراك الاجتماعي التي سادت السبعينات تفوق بكثير ما كانت عليه في بداية الثمانينات. وهذا دليل على أن المدرسة لم تلعب ذلك الدور الذي اعتقده الجيل الثاني كمصدر لتغيير المواقع الاجتماعية، هاته المواقع لا تحصل إلا بعد مستوى ثقافي وتكويني، ولكن لا يمكن الحديث عن حراك اجتماعي إلا حين يحصل فيها الفرد على موقعه الاجتماعي والذي يمكن مقارنته بوضع أبيه.
وفي إطار النظريات الوظيفية يتحدث سوروكين عن كون كل مجتمع يحوي مجموعة من الميكانيزمات للإنتاج وإعادة إنتاج البنى الاجتماعية للأفراد، ويرى أن الأسرة كأحد دعائم التوجيه ومن أجل استمراريتها في الزمن فهي المسئولة عن الحراك الاجتماعي للأفراد، لكون هذا الحراك المتعدد الاتجاهات يهدف إلى إضعاف الاستمرارية الأسرية، فالأسرة إذن تهدف إلى منح الطفل مستوى من الطموح الدراسي محدد بموقعه الخاص، وشدة مراقبة الأسرة مرتبطة بالنسق الاجتماعي، فهي قصوى في المجتمعات التقليدية، بينما بدأت تضعف في المجتمعات الحديثة لتوجه الأسرة نحو النظام النووي ويضيف بارسونز أن الأسرة تلعب دورا أساسيا في صيرورة جيل عدم تكافؤ الفرص، والأسرة تتضمن نسقا تضامنيا، والعائلة هكذا لا يمكن أن لا يكون لها تأثير هام على الطموحات المدرسية للأطفال، وهكذا فالميكانيزمات الشاملة لعدم تكافؤ الفرص أمام التعليم أقل ارتباطا بمستويات النسق الاجتماعي في كليته. وأكثر ارتباطا على مستوى محيط الفرد، ولهذا يلجأ معظم السوسيولوجيين إلى تحليل تأثير المحيط على المحفزات الفردية.
إن اللامساواة في الحظوظ الملاحظ من خلال النتائج الدراسية أو على المستوى المدرسي بصفة عامة، يرجع بالأساس إلى العادات، القيمة المعطاة للعلم، الرأسمال الثقافي، الحالة العائلية، الاستقرار الأسري... وهاته القيم تختلف من طبقة إلى أخرى حسب الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للأسرة وللمجتمع عموما.
وحسب المجتمعات، وأثناء نموها، فإن دور الأسرة والمدرسة أقل أو أكثر أهمية، وحسب سوروكين دائما فإن دور المدرسة يزداد حينما يقل دور الأسرة، وحين يتوقف دور كليهما وبطريقة فجائية عن أداء دورهما في توجيه الأفراد نحو بنى اجتماعية، تظهر حركات نقدية احتجاجية لتغيير هاته البنى. وهو ما ترجمته انتفاضة طلاب فرنسا في مايو 1968، حيث تم نقد المجتمع بطريقة عنيفة، وقد رأى المحتجون في باريس، أن التربية الحالية هي عبد الرأسمالية، وان الجامعة لا تقوم سوى بتوزيع معارف موجهة مسبقا لإعادة إنتاج المبجل البورجوازي ، نفس الشيء عبر عنه المحتجون في بكين ، بكون التربية لا تخلق إلا الفوارق الاجتماعية وتعمل على تكوين المتفوقين البورجوازيين فالتربية تبعا لذلك تسهر على توزيع الحظوظ ولا تعمل على تساويها.
ولكن حين نتحدث عن وظيفة إعادة الإنتاج الاجتماعي للتربية، ودورها في التقدم الثقافي، فهي تساهم في خلق نقد مضاد، فالتعليم ليس دائما وبصفة مطلقة إيديولوجية أو سلطة الطبقة السائدة، ولكن نجاعته تشتق من منطقه الخاص وحرية الأفراد. وردا على أولئك الذين لا يحملون إلا كلمة إيديولوجيا في أفواههم، فالمدرسة هي أيضا منبع العلم، وتلقين العلم يكون ويؤدي إلى ظهور النقد، الذي قد يكون ضد التعليم نفسه.
والهدف المنشود من التربية الحديثة هو ضمان فرص تربوية متساوية للجميع، من أجل تربية فعالة تتيح للناشئة ضمان اندماج لائق وعادي في المجتمع، إلا أن المدرسة كما يرى ذلك اليتش تاريخيا وبغض النظر عن مكانها لا يمكن أن تمثل العامل الأحسن والأوحد للتربية، والفكرة السائدة لدى الجميع بأن التربية تقوم في معظمها على أساس التعليم فكرة خاطئة، ويتساءل اليتش أليس هناك دور للحياة خارج المدرسة؟
إن التربية الحديثة اليوم تقوم على تكامل الفاعلين الاجتماعيين، بين الأسرة والمدرسة والمجتمع ولكي يصل المجتمع إلى نضجه، ويتجاوز طفولته ذاتها، يجب أن يصبح قابلا لأن يعيش فيه الصغار، والتربية الحديثة التي نريدها في مجتمع أكثر تطورا، هي تلك التي تتجاوز التربية التقليدية المبنية على التلقين، أي تقدم التربية على التعليم. من أجل أطفال مكونين تكوينا متكاملا ومتسقا، بحيث لا يغدو أكثر علما ومعرفة فقط بل أكثر نموا وتفتحا وقدرة على التفكير والإبداع وأكثر امتلاكا لوسائل التعليم أكثر من امتلاكه لمعلومات محددة. وهو ما عبر عنه جون جاك روسو حين أراد خلق الإنسان القابل للتعلم وليس الإنسان المتعلم. فالتربية الحديثة تهدف إلى تربية الشخصية لدى الطفل من كل نواحيها، وخصوصا الإنسانية. إن التعلم في فرنسا Instruire مشتقة من Struere اللاتينية وتعني التكوين والتكديس، وهو تكديس المعلومات في الفكر، في مفهومه الضيق، أما عمل التربية فأنفذ وأعمق ف Ducere اللاتينية تعني أن نخرج من الطفل جميع ضروب الغنى الكامنة فيه، ونظهرها بعد خفاء ونفتحها حتى مداها، ونساعد الطفل ليكون "من هو" على حد تعبير نيتشه.
رد: الماركسية والقراءة الجدلية
المدرسة في مجتمعنا هي إحدى مؤسسات المجتمع المدني الأساسية التي تنتظم في نسق كلي للمجتمع وفق قواعد محددة، وتخصصت تاريخيا في مجال الممارسة التربوية الثقافية، وتلتقي بذلك في وظيفتها وتتكامل مع الأسرة في مجال التنشئة الاجتماعية الثقافية، وقد نشأت المدرسة في المجتمع البشري الذي عرف تقسيم العمل وتشكل الدولة لتكون رديفا للأسرة في الوقت الذي استحال فيه على الأسرة تلقين النشء مختلف المعارف الثقافية، وهي تؤدي دورها هذا المنوط بها تحت هيمنة الدولة، والطبقة السائدة. فهي إحدى أجهزة الدولة الإيديولوجية في مجال الفعل التربوي، يقول ماركس: إن الأفكار السائدة هي أفكار الطبقة السائدة وهي أيضا أفكار الهيمنة. والسمة السائدة والطاغية على مؤسساتنا التعليمية هي سمة السلطوية التي ورثها نظامنا التعليمي عن النظام التعليمي التقليدي وطمعها الاستعمار لخدمته تم حافظت البورجوازية على إستمراريتها بعد الاستقلال. وقد بقي النظام التعليمي ممزقا وتابعا للمركز الاستعماري على المستوى التنظيمي وعلى مستوى التسيير زد على ذلك محتوى البرامج والمناهج المدرسية. كما أن الطبقة المسيطرة تهيمن بشكل مفرط على مراقبة الانتقاء لتكريس طابع التراتبية. وهكذا فالمدرسة اليوم تلعب دورا أساسيا في إعادة إنتاج العلاقات الاجتماعية السائدة في المجتمع محققة هيمنة الدولة وسيادتها بواسطة الإقناع والتراضي حسب تعبير غرامشي أو بواسطة عنف وإكراه وقسر يختلف عن عنف الدولة المادي بكونه عنفا رمزيا حسب بيير بورديو.
ويعرف لينين المدرسة بكونها أداة هيمنة طبقية في يد البورجوازية، إن هاته الطبقة المهيمنة كما يرى بورديو وباسرون، لا ترى أو أنها لا تريد أن ترى العلاقة بين التفاوتات الاجتماعية والتفاوتات المدرسية، إنهم يفسرون- الطبقة السائدة- النجاح المدرسي بكونه تفاوتا بالملكات، وبرأيهم مشكل الملكات الفكرية يطرح فقط لدى الغير: المتفوقين والراسبين من أبناء الطبقات المقهورة. والنجاح المدرسي في رأي البورجوازية المسيطرة يرجع إلى ميزات شخصية خاصة منذ الولادة، والمدرسة لا تخلو من انعكاس التناقضات الدولة/ المجتمع على بيئتها وأدائها الوظيفي، فكل الصراعات القائمة بين القوى الاجتماعية بسبب مواقعها المتفاوتة في بنية الإنتاج المادي والثقافي للمجتمع، تخترق المجال المدرسي وتثوي في مضامين القرارات والمناهج وطرق التلقين، وهذا دليل قاطع على الارتباط الكبير بين المدرسة ومحيطها الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي... بالدولة وبالمجتمع المدني.
إن كل خلل وظيفي أو أنوميا بتعبيردوركايم يطرأ داخل المجتمع لأي سبب كان يؤثر سلبا ويخلق أزمة داخل المدرسة يكون لها تأثير على إعادة إنتاج الدولة لذاتها، وكذا إعادة إنتاج النظام الاجتماعي في مجمله. وعندما يخترق هذا الخلل الزوج السائد الأسرة/ المدرسة داخل النظام الدولتي يتعرض الوجود الاجتماعي كله لخطر التفكك والانهيار.
إن المدرسة اليوم في المجتمع لا تعيد إنتاج المجتمع المبني على تساوي الحظوظ، إنها لا تزال تتخبط في إرث الإيديولوجية القديم. إرث البورجوازية المسيطرة.
إن تأثير المدرسة من حيث: نمط الحياة، التربية الأسرية والحظ في التربية متفاوت فيما بينها جميعاً، فثقافة الطبقات المحظوظة تتساوق مع ثقافة المدرسة، وعاداتها تماثل العادات المكتسبة داخل المدرسة. فالمدرسة نظام خاص من أنظمة التفاعل الاجتماعي جعلها أكثر أهمية. وهي تتميز عن محيطها بالروح التي تسود داخلها وهي الشعور بالنحن، وبذلك فهي لا تعمل على صنع المستقبل دون اعتبار للحاضر. وإنما يجب أن ترتكز على حاضر التلميذ من جميع الجوانب، وفي تركيزها على الحاضر إنما تعد وبشكل جيد للمستقبل في الوقت ذاته كما يرى جون ديوي.
إلا أن ثقافة المدرسة كما يرى باسرون و بورديو، ليست على نحو مباشر هي الثقافة البورجوازية. لكنها متساوقة معها بكيفية مباشرة، خصوصا عبر السلوكات الذهنية، واللسانية والثقافة، وتم تصور أشغال المدرسة وخصوصا اشتغال العلاقة البيداغوجية كآلة لإنتاج التفاوتات الاجتماعية، إذ لا يمكن الحديث عن فرصة تساوي الحظوظ ليس لآن المواهب التي تتحدث عنها الطبقات المهيمنة موزعة بكيفية متفاوتة بل لأن المدرسة تشجع التدابير الخاصة بالطبقات المبجلة، إن جل ميكانيزمات المدرسة هي في الأصل أساليب لانتقاء أطفال الطبقة المحظوظة وإقصاء الآخرين. فمدرسة إعادة الإنتاج حسب بورديو لا تنتج أطفالا أحرارا، ولا سيما أن التفاوتات المدرسية منظوراً إليها كتفاوتات في الاستحقاق. تضفي الشرعية على التفاوتات الاجتماعية التي تصدر عنها وتعيد إنتاجها.
المدرسة أداة للخضوع والامتثال، وسواء باسرون و بورديو أو اسطابلي وبانديلو يربطون وظيفة المدرسة ببنية الطبقات الاجتماعية. أما اليتش حين ينتقد المدرسة يرى أنها تنتج التفاوتات الطبقية. فهي تلعب بذلك دور المحدد الأساسي في التقسيم الطبقي، ويضيف اليتش أن المدرسة مكان لم يلجه نصف البشر وتبقى بذلك المدرسة لا تهدف إلا لتطوير صناعات عقول مملوءة وهو نوع آخر من التبضيع الدراسي والثقافي. إن تنظيم وظيفة النظام التعليمي تترجم باستمرار وبواسطة شفرات متعددة التفاوتات الطبقية على المستوى الاجتماعي إلى تفاوتات على المستوى المدرسي.
الهدف من المدرسة والوظيفة الأساسية التي أنشئت من أجلها هي ضمان تربية وتعليم متساويين للجميع بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها التلميذ، وليس كمؤسسة اجتماعية لا تختار تلقين إلا الذين يستجيبون للمقاييس التي يحددها مسبقا ويصادق عليها الضابط الاجتماعي.
والمدرسة التي اعتبرت لزمن طويل على أنها ميكانيزم مصحح لعدم تكافؤ الفرص منذ نشأتها، تظهر الآن غير قادرة على لعب هذا الدور المنوط بها، وبتعبير التوسير: إن الأجهزة الإيديولوجية للدولة تعيد إنتاج تقارير الإنتاج السائد. والمدرسة أصبحت جهاز الدولة الإيديولوجي المهيمن مكان الكنيسة التي مارست هذا الدور إلى حدود القرن الثامن عشر.
وحول دورها في الحراك الاجتماعي يرى العربي أبا عقيل إن الجيل الثاني اعتقد كثيرا أن الطريقة الوحيدة للتدرج الطبقي وضمان ظروف حياتية أحسن هو الإنجاب الكثير. إلا أن هذا الخيال الذي هيمن على الطبقات الشعبية باء بالفشل، فقط 0,88 % تم التحاقهم بالطبقة المتوسطة، وأن نسبة الحراك الاجتماعي التي سادت السبعينات تفوق بكثير ما كانت عليه في بداية الثمانينات. وهذا دليل على أن المدرسة لم تلعب ذلك الدور الذي اعتقده الجيل الثاني كمصدر لتغيير المواقع الاجتماعية، هاته المواقع لا تحصل إلا بعد مستوى ثقافي وتكويني، ولكن لا يمكن الحديث عن حراك اجتماعي إلا حين يحصل فيها الفرد على موقعه الاجتماعي والذي يمكن مقارنته بوضع أبيه.
وفي إطار النظريات الوظيفية يتحدث سوروكين عن كون كل مجتمع يحوي مجموعة من الميكانيزمات للإنتاج وإعادة إنتاج البنى الاجتماعية للأفراد، ويرى أن الأسرة كأحد دعائم التوجيه ومن أجل استمراريتها في الزمن فهي المسئولة عن الحراك الاجتماعي للأفراد، لكون هذا الحراك المتعدد الاتجاهات يهدف إلى إضعاف الاستمرارية الأسرية، فالأسرة إذن تهدف إلى منح الطفل مستوى من الطموح الدراسي محدد بموقعه الخاص، وشدة مراقبة الأسرة مرتبطة بالنسق الاجتماعي، فهي قصوى في المجتمعات التقليدية، بينما بدأت تضعف في المجتمعات الحديثة لتوجه الأسرة نحو النظام النووي ويضيف بارسونز أن الأسرة تلعب دورا أساسيا في صيرورة جيل عدم تكافؤ الفرص، والأسرة تتضمن نسقا تضامنيا، والعائلة هكذا لا يمكن أن لا يكون لها تأثير هام على الطموحات المدرسية للأطفال، وهكذا فالميكانيزمات الشاملة لعدم تكافؤ الفرص أمام التعليم أقل ارتباطا بمستويات النسق الاجتماعي في كليته. وأكثر ارتباطا على مستوى محيط الفرد، ولهذا يلجأ معظم السوسيولوجيين إلى تحليل تأثير المحيط على المحفزات الفردية.
إن اللامساواة في الحظوظ الملاحظ من خلال النتائج الدراسية أو على المستوى المدرسي بصفة عامة، يرجع بالأساس إلى العادات، القيمة المعطاة للعلم، الرأسمال الثقافي، الحالة العائلية، الاستقرار الأسري... وهاته القيم تختلف من طبقة إلى أخرى حسب الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للأسرة وللمجتمع عموما.
وحسب المجتمعات، وأثناء نموها، فإن دور الأسرة والمدرسة أقل أو أكثر أهمية، وحسب سوروكين دائما فإن دور المدرسة يزداد حينما يقل دور الأسرة، وحين يتوقف دور كليهما وبطريقة فجائية عن أداء دورهما في توجيه الأفراد نحو بنى اجتماعية، تظهر حركات نقدية احتجاجية لتغيير هاته البنى. وهو ما ترجمته انتفاضة طلاب فرنسا في مايو 1968، حيث تم نقد المجتمع بطريقة عنيفة، وقد رأى المحتجون في باريس، أن التربية الحالية هي عبد الرأسمالية، وان الجامعة لا تقوم سوى بتوزيع معارف موجهة مسبقا لإعادة إنتاج المبجل البورجوازي ، نفس الشيء عبر عنه المحتجون في بكين ، بكون التربية لا تخلق إلا الفوارق الاجتماعية وتعمل على تكوين المتفوقين البورجوازيين فالتربية تبعا لذلك تسهر على توزيع الحظوظ ولا تعمل على تساويها.
ولكن حين نتحدث عن وظيفة إعادة الإنتاج الاجتماعي للتربية، ودورها في التقدم الثقافي، فهي تساهم في خلق نقد مضاد، فالتعليم ليس دائما وبصفة مطلقة إيديولوجية أو سلطة الطبقة السائدة، ولكن نجاعته تشتق من منطقه الخاص وحرية الأفراد. وردا على أولئك الذين لا يحملون إلا كلمة إيديولوجيا في أفواههم، فالمدرسة هي أيضا منبع العلم، وتلقين العلم يكون ويؤدي إلى ظهور النقد، الذي قد يكون ضد التعليم نفسه.
والهدف المنشود من التربية الحديثة هو ضمان فرص تربوية متساوية للجميع، من أجل تربية فعالة تتيح للناشئة ضمان اندماج لائق وعادي في المجتمع، إلا أن المدرسة كما يرى ذلك اليتش تاريخيا وبغض النظر عن مكانها لا يمكن أن تمثل العامل الأحسن والأوحد للتربية، والفكرة السائدة لدى الجميع بأن التربية تقوم في معظمها على أساس التعليم فكرة خاطئة، ويتساءل اليتش أليس هناك دور للحياة خارج المدرسة؟
إن التربية الحديثة اليوم تقوم على تكامل الفاعلين الاجتماعيين، بين الأسرة والمدرسة والمجتمع ولكي يصل المجتمع إلى نضجه، ويتجاوز طفولته ذاتها، يجب أن يصبح قابلا لأن يعيش فيه الصغار، والتربية الحديثة التي نريدها في مجتمع أكثر تطورا، هي تلك التي تتجاوز التربية التقليدية المبنية على التلقين، أي تقدم التربية على التعليم. من أجل أطفال مكونين تكوينا متكاملا ومتسقا، بحيث لا يغدو أكثر علما ومعرفة فقط بل أكثر نموا وتفتحا وقدرة على التفكير والإبداع وأكثر امتلاكا لوسائل التعليم أكثر من امتلاكه لمعلومات محددة. وهو ما عبر عنه جون جاك روسو حين أراد خلق الإنسان القابل للتعلم وليس الإنسان المتعلم. فالتربية الحديثة تهدف إلى تربية الشخصية لدى الطفل من كل نواحيها، وخصوصا الإنسانية. إن التعلم في فرنسا Instruire مشتقة من Struere اللاتينية وتعني التكوين والتكديس، وهو تكديس المعلومات في الفكر، في مفهومه الضيق، أما عمل التربية فأنفذ وأعمق ف Ducere اللاتينية تعني أن نخرج من الطفل جميع ضروب الغنى الكامنة فيه، ونظهرها بعد خفاء ونفتحها حتى مداها، ونساعد الطفل ليكون "من هو" على حد تعبير نيتشه.
ويعرف لينين المدرسة بكونها أداة هيمنة طبقية في يد البورجوازية، إن هاته الطبقة المهيمنة كما يرى بورديو وباسرون، لا ترى أو أنها لا تريد أن ترى العلاقة بين التفاوتات الاجتماعية والتفاوتات المدرسية، إنهم يفسرون- الطبقة السائدة- النجاح المدرسي بكونه تفاوتا بالملكات، وبرأيهم مشكل الملكات الفكرية يطرح فقط لدى الغير: المتفوقين والراسبين من أبناء الطبقات المقهورة. والنجاح المدرسي في رأي البورجوازية المسيطرة يرجع إلى ميزات شخصية خاصة منذ الولادة، والمدرسة لا تخلو من انعكاس التناقضات الدولة/ المجتمع على بيئتها وأدائها الوظيفي، فكل الصراعات القائمة بين القوى الاجتماعية بسبب مواقعها المتفاوتة في بنية الإنتاج المادي والثقافي للمجتمع، تخترق المجال المدرسي وتثوي في مضامين القرارات والمناهج وطرق التلقين، وهذا دليل قاطع على الارتباط الكبير بين المدرسة ومحيطها الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي... بالدولة وبالمجتمع المدني.
إن كل خلل وظيفي أو أنوميا بتعبيردوركايم يطرأ داخل المجتمع لأي سبب كان يؤثر سلبا ويخلق أزمة داخل المدرسة يكون لها تأثير على إعادة إنتاج الدولة لذاتها، وكذا إعادة إنتاج النظام الاجتماعي في مجمله. وعندما يخترق هذا الخلل الزوج السائد الأسرة/ المدرسة داخل النظام الدولتي يتعرض الوجود الاجتماعي كله لخطر التفكك والانهيار.
إن المدرسة اليوم في المجتمع لا تعيد إنتاج المجتمع المبني على تساوي الحظوظ، إنها لا تزال تتخبط في إرث الإيديولوجية القديم. إرث البورجوازية المسيطرة.
إن تأثير المدرسة من حيث: نمط الحياة، التربية الأسرية والحظ في التربية متفاوت فيما بينها جميعاً، فثقافة الطبقات المحظوظة تتساوق مع ثقافة المدرسة، وعاداتها تماثل العادات المكتسبة داخل المدرسة. فالمدرسة نظام خاص من أنظمة التفاعل الاجتماعي جعلها أكثر أهمية. وهي تتميز عن محيطها بالروح التي تسود داخلها وهي الشعور بالنحن، وبذلك فهي لا تعمل على صنع المستقبل دون اعتبار للحاضر. وإنما يجب أن ترتكز على حاضر التلميذ من جميع الجوانب، وفي تركيزها على الحاضر إنما تعد وبشكل جيد للمستقبل في الوقت ذاته كما يرى جون ديوي.
إلا أن ثقافة المدرسة كما يرى باسرون و بورديو، ليست على نحو مباشر هي الثقافة البورجوازية. لكنها متساوقة معها بكيفية مباشرة، خصوصا عبر السلوكات الذهنية، واللسانية والثقافة، وتم تصور أشغال المدرسة وخصوصا اشتغال العلاقة البيداغوجية كآلة لإنتاج التفاوتات الاجتماعية، إذ لا يمكن الحديث عن فرصة تساوي الحظوظ ليس لآن المواهب التي تتحدث عنها الطبقات المهيمنة موزعة بكيفية متفاوتة بل لأن المدرسة تشجع التدابير الخاصة بالطبقات المبجلة، إن جل ميكانيزمات المدرسة هي في الأصل أساليب لانتقاء أطفال الطبقة المحظوظة وإقصاء الآخرين. فمدرسة إعادة الإنتاج حسب بورديو لا تنتج أطفالا أحرارا، ولا سيما أن التفاوتات المدرسية منظوراً إليها كتفاوتات في الاستحقاق. تضفي الشرعية على التفاوتات الاجتماعية التي تصدر عنها وتعيد إنتاجها.
المدرسة أداة للخضوع والامتثال، وسواء باسرون و بورديو أو اسطابلي وبانديلو يربطون وظيفة المدرسة ببنية الطبقات الاجتماعية. أما اليتش حين ينتقد المدرسة يرى أنها تنتج التفاوتات الطبقية. فهي تلعب بذلك دور المحدد الأساسي في التقسيم الطبقي، ويضيف اليتش أن المدرسة مكان لم يلجه نصف البشر وتبقى بذلك المدرسة لا تهدف إلا لتطوير صناعات عقول مملوءة وهو نوع آخر من التبضيع الدراسي والثقافي. إن تنظيم وظيفة النظام التعليمي تترجم باستمرار وبواسطة شفرات متعددة التفاوتات الطبقية على المستوى الاجتماعي إلى تفاوتات على المستوى المدرسي.
الهدف من المدرسة والوظيفة الأساسية التي أنشئت من أجلها هي ضمان تربية وتعليم متساويين للجميع بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها التلميذ، وليس كمؤسسة اجتماعية لا تختار تلقين إلا الذين يستجيبون للمقاييس التي يحددها مسبقا ويصادق عليها الضابط الاجتماعي.
والمدرسة التي اعتبرت لزمن طويل على أنها ميكانيزم مصحح لعدم تكافؤ الفرص منذ نشأتها، تظهر الآن غير قادرة على لعب هذا الدور المنوط بها، وبتعبير التوسير: إن الأجهزة الإيديولوجية للدولة تعيد إنتاج تقارير الإنتاج السائد. والمدرسة أصبحت جهاز الدولة الإيديولوجي المهيمن مكان الكنيسة التي مارست هذا الدور إلى حدود القرن الثامن عشر.
وحول دورها في الحراك الاجتماعي يرى العربي أبا عقيل إن الجيل الثاني اعتقد كثيرا أن الطريقة الوحيدة للتدرج الطبقي وضمان ظروف حياتية أحسن هو الإنجاب الكثير. إلا أن هذا الخيال الذي هيمن على الطبقات الشعبية باء بالفشل، فقط 0,88 % تم التحاقهم بالطبقة المتوسطة، وأن نسبة الحراك الاجتماعي التي سادت السبعينات تفوق بكثير ما كانت عليه في بداية الثمانينات. وهذا دليل على أن المدرسة لم تلعب ذلك الدور الذي اعتقده الجيل الثاني كمصدر لتغيير المواقع الاجتماعية، هاته المواقع لا تحصل إلا بعد مستوى ثقافي وتكويني، ولكن لا يمكن الحديث عن حراك اجتماعي إلا حين يحصل فيها الفرد على موقعه الاجتماعي والذي يمكن مقارنته بوضع أبيه.
وفي إطار النظريات الوظيفية يتحدث سوروكين عن كون كل مجتمع يحوي مجموعة من الميكانيزمات للإنتاج وإعادة إنتاج البنى الاجتماعية للأفراد، ويرى أن الأسرة كأحد دعائم التوجيه ومن أجل استمراريتها في الزمن فهي المسئولة عن الحراك الاجتماعي للأفراد، لكون هذا الحراك المتعدد الاتجاهات يهدف إلى إضعاف الاستمرارية الأسرية، فالأسرة إذن تهدف إلى منح الطفل مستوى من الطموح الدراسي محدد بموقعه الخاص، وشدة مراقبة الأسرة مرتبطة بالنسق الاجتماعي، فهي قصوى في المجتمعات التقليدية، بينما بدأت تضعف في المجتمعات الحديثة لتوجه الأسرة نحو النظام النووي ويضيف بارسونز أن الأسرة تلعب دورا أساسيا في صيرورة جيل عدم تكافؤ الفرص، والأسرة تتضمن نسقا تضامنيا، والعائلة هكذا لا يمكن أن لا يكون لها تأثير هام على الطموحات المدرسية للأطفال، وهكذا فالميكانيزمات الشاملة لعدم تكافؤ الفرص أمام التعليم أقل ارتباطا بمستويات النسق الاجتماعي في كليته. وأكثر ارتباطا على مستوى محيط الفرد، ولهذا يلجأ معظم السوسيولوجيين إلى تحليل تأثير المحيط على المحفزات الفردية.
إن اللامساواة في الحظوظ الملاحظ من خلال النتائج الدراسية أو على المستوى المدرسي بصفة عامة، يرجع بالأساس إلى العادات، القيمة المعطاة للعلم، الرأسمال الثقافي، الحالة العائلية، الاستقرار الأسري... وهاته القيم تختلف من طبقة إلى أخرى حسب الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للأسرة وللمجتمع عموما.
وحسب المجتمعات، وأثناء نموها، فإن دور الأسرة والمدرسة أقل أو أكثر أهمية، وحسب سوروكين دائما فإن دور المدرسة يزداد حينما يقل دور الأسرة، وحين يتوقف دور كليهما وبطريقة فجائية عن أداء دورهما في توجيه الأفراد نحو بنى اجتماعية، تظهر حركات نقدية احتجاجية لتغيير هاته البنى. وهو ما ترجمته انتفاضة طلاب فرنسا في مايو 1968، حيث تم نقد المجتمع بطريقة عنيفة، وقد رأى المحتجون في باريس، أن التربية الحالية هي عبد الرأسمالية، وان الجامعة لا تقوم سوى بتوزيع معارف موجهة مسبقا لإعادة إنتاج المبجل البورجوازي ، نفس الشيء عبر عنه المحتجون في بكين ، بكون التربية لا تخلق إلا الفوارق الاجتماعية وتعمل على تكوين المتفوقين البورجوازيين فالتربية تبعا لذلك تسهر على توزيع الحظوظ ولا تعمل على تساويها.
ولكن حين نتحدث عن وظيفة إعادة الإنتاج الاجتماعي للتربية، ودورها في التقدم الثقافي، فهي تساهم في خلق نقد مضاد، فالتعليم ليس دائما وبصفة مطلقة إيديولوجية أو سلطة الطبقة السائدة، ولكن نجاعته تشتق من منطقه الخاص وحرية الأفراد. وردا على أولئك الذين لا يحملون إلا كلمة إيديولوجيا في أفواههم، فالمدرسة هي أيضا منبع العلم، وتلقين العلم يكون ويؤدي إلى ظهور النقد، الذي قد يكون ضد التعليم نفسه.
والهدف المنشود من التربية الحديثة هو ضمان فرص تربوية متساوية للجميع، من أجل تربية فعالة تتيح للناشئة ضمان اندماج لائق وعادي في المجتمع، إلا أن المدرسة كما يرى ذلك اليتش تاريخيا وبغض النظر عن مكانها لا يمكن أن تمثل العامل الأحسن والأوحد للتربية، والفكرة السائدة لدى الجميع بأن التربية تقوم في معظمها على أساس التعليم فكرة خاطئة، ويتساءل اليتش أليس هناك دور للحياة خارج المدرسة؟
إن التربية الحديثة اليوم تقوم على تكامل الفاعلين الاجتماعيين، بين الأسرة والمدرسة والمجتمع ولكي يصل المجتمع إلى نضجه، ويتجاوز طفولته ذاتها، يجب أن يصبح قابلا لأن يعيش فيه الصغار، والتربية الحديثة التي نريدها في مجتمع أكثر تطورا، هي تلك التي تتجاوز التربية التقليدية المبنية على التلقين، أي تقدم التربية على التعليم. من أجل أطفال مكونين تكوينا متكاملا ومتسقا، بحيث لا يغدو أكثر علما ومعرفة فقط بل أكثر نموا وتفتحا وقدرة على التفكير والإبداع وأكثر امتلاكا لوسائل التعليم أكثر من امتلاكه لمعلومات محددة. وهو ما عبر عنه جون جاك روسو حين أراد خلق الإنسان القابل للتعلم وليس الإنسان المتعلم. فالتربية الحديثة تهدف إلى تربية الشخصية لدى الطفل من كل نواحيها، وخصوصا الإنسانية. إن التعلم في فرنسا Instruire مشتقة من Struere اللاتينية وتعني التكوين والتكديس، وهو تكديس المعلومات في الفكر، في مفهومه الضيق، أما عمل التربية فأنفذ وأعمق ف Ducere اللاتينية تعني أن نخرج من الطفل جميع ضروب الغنى الكامنة فيه، ونظهرها بعد خفاء ونفتحها حتى مداها، ونساعد الطفل ليكون "من هو" على حد تعبير نيتشه.
حبايبنا :: histoir :: article :: مقالات فكرية وادبية وفلسفية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى